فصل: قال الخازن:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.من أقوال المفسرين:

.قال الخازن:

قال بعض العلماء: إن اليهود كانوا يفتخرون بآبائهم ويقولون نحن من أولاد الأنبياء عليهم السلام، فأخبر الله تعالى بأنهم ملعونون على ألسنة الأنبياء عليهم السلام.
وقيل: إن داود وعيسى بشَّرا بمحمد صلى الله عليه وسلم ولعنا من يكفر به. اهـ.

.قال الفخر:

قال أكثر المفسرين: يعني أصحاب السبت، وأصحاب المائدة.
أما أصحاب السبت فهو أن قوم داود، وهم أهل «ايلة» لما اعتدوا في السبت بأخذ الحيتان على ما ذكر الله تعالى هذه القصة في سورة الأعراف قال داود: اللّهم العنهم واجعلهم آية فمسخوا قردة، وأما أصحاب المائدة فإنهم لما أكلوا من المائدة ولم يؤمنوا قال عيسى: اللّهم العنهم كما لعنت أصحاب السبت فأصبحوا خنازير، وكانوا خمسة آلاف رجل ما فيهم امرأة ولا صبي.
قال بعض العلماء: إن اليهود كانوا يفتخرون بأنا من أولاد الأنبياء، فذكر الله تعالى هذه الآية لتدل على أنهم ملعونون على ألسنة الأنبياء.
وقيل: أن داود وعيسى عليهما السلام بشرا بمحمد صلى الله عليه وسلم، ولعنا من يكذبه وهو قول الأصم.
ثم قال تعالى: {ذلك بِمَا عَصَواْ وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ} والمعنى أن ذلك اللعن كان بسبب أنهم يعصون ويبالغون في ذلك العصيان. اهـ.

.قال السمرقندي:

{لُعِنَ الذين كَفَرُواْ مِن بَنِى إسراءيل} يعني: اليهود، {على لِسَانِ دَاوُودُ} وذلك أن الله تعالى مسخهم قردة، حيث اصطادوا السمك يوم السبت، {وَعِيسَى ابن مَرْيَمَ} يعني: وعلى لسان عيسى ابن مريم، حيث دعا عليهم، فمسخهم الله تعالى خنازير.
ويقال: لعن الذين كفروا، أي: أُبعِدوا من رحمة الله، على لسان داود، وعيسى ابن مريم.
وقال الزجاج: يحتمل معنيين: أحدهما أنهم مسخوا بلعنتهما، فجعلوا قردة وخنازير.
وجائز أن يكون داود وعيسى لعنا من كفر بمحمد صلى الله عليه وسلم، يعني: لعن الكفار الذين على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ثم قال: {ذلك بِمَا عَصَواْ وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ} يعني: الذين أصابهم من اللعنة بما عصوا يعني: بعصيانهم {وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ} في دينهم. اهـ.

.قال ابن عطية:

وقوله تعالى: {لعن الذين كفروا من بني إسرائيل} الآية. قد تقرر في غير موضع من القرآن ما جرى في مدة موسى من كفر بعضهم وعتوهم، وكذلك أمرهم مع محمد عليه السلام كان مشاهدًا في وقت نزول القرآن، فخصت هذه الآية داود وعيسى إعلامًا بأنهم لعنوا في الكتب الأربعة وأنهم قد لعنوا على لسان غير موسى ومحمد عليهما السلام، وقال ابن عباس رحمه الله: لعنوا بكل لسان لعنوا على عهد موسى في التوراة وعلى عهد داود في الزبور وعلى عهد عيسى في الإنجيل وعلى عهد محمد في القرآن، وروى ابن جريج أنه اقترن بلعنتهم على لسان داود أن مسخوا خنازير، وذلك أن داود عليه السلام مر على نفر وهم في بيت فقال من في البيت؟ قالوا: خنازير على معنى الانحجاب، قال: اللهم اجعلهم خنازير، فكانوا خنازير، ثم دعا عيسى على من افترى عليه على أن يكونوا قردة فكانوا قردة، وقال مجاهد وقتادة: بل مسخوا في زمن داود قردة وفي زمن عيسى خنازير، وحكى الزجّاج نحوه.
قال القاضي أبو محمد: وذكر المسخ ليس مما تعطيه ألفاظ الآية، وإنما تعطي ألفاظ الآية أنهم لعنهم الله وأبعدهم من رحمته وأعلم بذلك العباد المؤمنون على لسان داود النبي في زمنه وعلى لسان عيسى في زمنه، وروي عن ابن عباس أنه قال: لعن على لسان داود أصحاب السبت، وعلى لسان عيسى الذين كفروا بالمائدة، وقوله تعالى: {ذلك} إشارة إلى لعنتهم وباقي الآية بيّن. اهـ.

.قال القرطبي:

قوله تعالى: {لُعِنَ الذين كَفَرُواْ مِن بني إِسْرَائِيلَ على لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابن مَرْيَمَ} فيه مسألة واحدة: وهي جواز لعن الكافرين وإن كانوا من أولاد الأنبياء، وأن شرف النسب لا يمنع إطلاق اللعنة في حقهم.
ومعنى {على لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابن مَرْيَمَ} أي لعنوا في الزبور والإنجيل؛ فإن الزبور لسان داود، والإنجيل لسان عيسى أي لعنهم الله في الكتابين.
وقد تقدّم اشتقاقهما.
قال مجاهد وقَتَادة وغيرهما.
لعنهم مسخهم قردة وخنازير.
قال أبو مالك: الذين لعنوا على لسان داود مُسِخوا قردة، والذين لعنوا على لسان عيسى مُسِخوا خنازير.
وقال ابن عباس: الذين لعنوا على لسان داود أصحاب السبت، والذين لعنوا على لسان عيسى الذين كفروا بالمائدة بعد نزولها.
وروى نحوه عن النبي صلى الله عليه وسلم.
وقيل: لُعِن الأسلافُ والأخلافُ ممن كفر بمحمد صلى الله عليه وسلم على لسان داود وعيسى؛ لأنهما أَعلما أنّ محمدًا صلى الله عليه وسلم نبي مبعوث فَلَعَنَا من يكفر به.
قوله تعالى: {ذلك بِمَا عَصَوْا}.
ذلك في موضع رفع بالابتداء أي ذلك اللعن بما عصوا؛ أي بعصيانهم.
ويجوز أن يكون على إضمار مبتدإ؛ أي الأمر ذلك.
ويجوز أن يكون في موضع نصب أي فعلنا ذلك بهم لعصيانهم واعتدائهم. اهـ.

.قال أبو حيان:

{لعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داود وعيسى ابن مريم} قال ابن عباس: لعنوا بكل لسان.
لعنوا على عهد موسى في التوراة، وعلى عهد داود في الزبور، وعلى عهد عيسى في الإنجيل، وعلى عهد محمد في القرآن.
وروى ابن جريج: أنه اقترن بلعنتهم على لسان داود أن مسخوا خنازير، وذلك أن داود مرّ على نفر وهم في بيت فقال: من في البيت؟ قالوا: خنازير على معنى الاحتجاب، قال: اللهم خنازير، فكانوا خنازير.
ثم دعا عيسى على من افترى عليه وعلى أمه ولعنهم.
وروي عن ابن عباس: لعن على لسان داود أصحاب السبت، وعلى لسان عيسى الذين كفروا بالمائدة.
وقال أكثر المفسرين: إن أهل أيلة لما اعتدوا في السبت قال داود: اللهم العنهم واجعلهم آية، فمسخوا قردة.
ولما كفر أصحاب عيسى بعد المائدة قال عيسى: اللهم عذب من كفر بعدما أكل من المائدة عذابًا لم تعذبه أحدًا من العالمين، والعنهم كما لعنت أصحاب السبت، فأصبحوا خنازير، وكانوا خمسة آلاف رجل ما فيهم امرأة ولا صبي.
وقال الأصم وغيره: بشّر داود وعيسى بمحمد صلى الله عليه وسلم، ولعنا من كذبه.
وقيل: دعوا على من عصاهما ولعناه.
وروي أن داود قال: اللهم ليلبسوا اللعنة مثل الرّداء ومثل منطقة الحقوين، اللهم اجعلهم آية ومثالًا لخلقك.
والظاهر من الآية الإخبار عن أسلاف اليهود والنصارى أنهم ملعونون.
وبناء الفعل للمفعول يحتمل أن يكون الله تعالى هو اللاعن لهم على لسان داود وعيسى، ويحتمل أن يكونا هما اللاعنان لهم.
ولما كانوا يتبجحون بأسلافهم وأنهم أولاد الأنبياء، أخبروا أنّ الكفار منهم ملعونون على لسان أنبيائهم.
واللعنة هي الطرد من رحمة الله، ولا تدل الآية على اقتران اللعنة بمسخ.
والأفصح أنه إذا فرق منضمًا الجزئين اختير الإفراد على لفظ التثنية وعلى لفظ الجمع، فكذلك جاء على لسان مفردًا ولم يأت على لساني داود وعيسى، ولا على ألسنة داود وعيسى.
فلو كان المنضمان غير متفرّقين اختير لفظ الجمع على لفظ التثنية وعلى الإفراد نحو قوله: {فقد صغت قلوبكما} والمراد باللسان هنا الجارحة لا اللغة، أي الناطق بلعنتهم هو داود وعيسى.
{ذلك بما عصوا} أي ذلك اللعن كان بسبب عصيانهم، وذكر هذا على سبيل التوكيد، وإلا فقد فهم سبب اللعنة بإسنادها إلى من تعلق به الوصف الدال على العلية، وهو الذين كفروا.
كما تقول: رجم الزاني، فيعلم أنّ سببه الزنا.
كذلك اللعن سببه الكفر، ولكن أكد بذكره ثانية في قوله: ذلك بما عصوا.
{وكانوا يعتدون} يحتمل أن يكون معطوفًا على عصوا، فيتقدر بالمصدر أي: وبكونهم يعتدون، يتجاوزون الحد في العصيان والكفر، وينتهون إلى أقصى غاياته.
ويحتمل أن يكون استئناف إخبار من الله بأنه كان شأنهم وأمرهم الاعتداء، ويقوي هذا ما جاء بعده كالشرح وهو قوله: {كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه}. اهـ.

.قال الألوسي:

{لُعِنَ الذين كَفَرُواْ مِن بَنِى إسرائيل} أي لعنهم الله تعالى، وبناء الفعل لما لم يسم فاعله للجري على سنن الكبرياء، والجار متعلق بمحذوف وقع حالًا من الموصول أو من فاعل {كَفَرُواْ} وقوله سبحانه وتعالى: {على لِسَانِ دَاوُودُ وَعِيسَى ابن مَرْيَمَ} متعلق بلعن أي لعنهم جل وعلا في الإنجيل والزبور على لسان هذين النبيين عليهما السلام بأن أنزل سبحانه وتعالى فيهما ملعون من يكفر من بني إسرائيل بالله تعالى أو أحد من رسله عليهم السلام، وعن الزجاج إن المراد: أن داود وعيسى عليهما الصلاة والسلام أعلما بنبوة محمد صلى الله عليه وسلم وبشرا به وأمرا باتباعه، ولعنا من كفر به من بني إسرائيل، والأول أولى، وهو المروي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما، وقيل: إن أهل أيلة لما اعتدوا في السبت قال داود عليه الصلاة والسلام: اللهم ألبسهم اللعن مثل الرداء ومثل المنطقة على الحقوين، فمسخهم الله تعالى قردة، وأصحاب المائدة لما كفروا قال عيسى عليه الصلاة والسلام: اللهم عذب من كفر بعد ما أكل من المائدة عذابًا لم تعذبه أحدًا من العالمين والعنهم كما لعنت أصحاب السبت، فأصبحوا خنازير وكانوا خمسة آلاف رجل ما فيهم امرأة ولا صبي وروي هذا القول عن الحسن ومجاهد وقتادة، وروي مثله عن الباقر رضي الله تعالى عنه، واختاره غير واحد، والمراد باللسان الجارحة، وإفراده أحد الاستعمالات الثلاث المشهورة في مثل ذلك، وقيل: المراد به اللغة.
{ذلك} أي اللعن المذكور، وإيثار الإشارة على الضمير للإشارة إلى كمال ظهوره وامتيازه عن نظائره وانتظامه بسببه في سلك الأمور المشاهدة، وما في ذلك من البعد للإيذان بكمال فظاعته وبعد درجته في الشناعة والهول {بِمَا عَصَواْ} أي بسبب عصيانهم، والجار متعلق بمحذوف وقع خبرًا عن المبتدأ قبله، والجملة استئناف واقع موقع الجواب عما نشأ من الكلام، كأنه قيل: بأي سبب وقع ذلك؟ فقيل: ذلك اللعن الهائل الفظيع بسبب عصيانهم، وقوله تعالى: {وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ} يحتمل أن يكون معطوفًا على {عَصَواْ} فيكون داخلًا في حيز السبب، أي وبسبب اعتدائهم المستمر، وينبىء عن إرادة الاستمرار الجمع بين صيغتي الماضي والمستقبل.
وادعى الزمخشري إفادة الكلام حصر السبب فيما ذكر، أي بسبب ذلك لا غير، ولعله كما قيل استفيد من العدول عن الظاهر، وهو تعلق {بِمَا عَصَواْ} بلعن دون ذكر اسم الإشارة، فما جيء به استحقارًا لذلك اللعن وجوابًا عن سؤال الموجب دل على أن مجموعه بهذا السبب لا بسبب آخر، وقيل: استفيد من السببية لأن المتبادر منها ما في ضمن السبب التام وهو يفيد ذلك، ولا يرد على الحصر أن كفرهم سبب أيضًا كما يشعر به أخذه في حيز الصلة لأن ما ذكر في حيز السببية هنا مشتمل على كفرهم أيضًا، ويحتمل أن يكون استئناف إخبار من الله تعالى بأنه كان شأنهم وأمرهم الاعتداء، وتجاوز الحد في العصيان. اهـ.